يوميات معلم ... ((مجنون في المدرسة))
يوميات معلم:
محُود في المدرسة.
لم يكن اليوم الدراسي كالايام المعتادة ، بالرغم من أن الطلبةَ في الحُجر الدراسية ، والمعلمين بين تدريسٍ و مناوبةٍ وآخرين في المكاتب يتبادلون أطراف الحديث ، ويرتشِفون الشاي ، وهناك من هو منهمكٌ في تحضيره او إعداده للحصص القادمة ، لقد مرت الساعات الاولى في سكونٍ و هدوءٍ لا مثيل له .
كنت من المناوبين لذلك اليوم الذي تغير مجرَاهُ بعد الساعة العاشرة صباحا ، حينما دخل دخيلٌ بدراجته النارية المدرسة ، وأثار الفوضى في ساحتها وارجائِها ، إنه مُحود ! وما ادراك ما مُحود ! (تصغير لاسم محمد في اللغة الشحرية).
ذلك الشاب في العشرينيَّات من عمره ، يرتدي من الثياب المستهلكة ، لا تناسق بين قميصه ، وسرواله الطويل ، وقبعته ، البتة .
مُحود كثيرُ الحركةِ كثير التنقل لا تكد تمر بزقاقٍ او شارعٍ عام ، او محطةٍ الا و مُحود ينطلق بدراجته النارية بشكل جنوني ، لا يراعي فيها الإشارات المرورية ولا اللوائح الإرشادية ، وكأنه ابن الجَلا وطَلاعُ الثَّنايا.
وْسِمَ بالمجنونِ إلا أنه غير عدواني ولا يطلب منك سوى قرشاً واحد وينصرف ( ويقصد به ريالٌ) ، لا أُخْفِيكم سرا ، فقد كان بارعا وماهرا في ركوبِ الدراجة النارية ، ولو شارك في سباق موترو كروز للدراجات ، لربما كان له شأن آخر.
نعم ، في حين غفلةٍ من بواب المدرسةِ استطاع محوود الدخول بدراجته الى الساحة العامة.
صوتُ محرك الدراجة النارية كان عالي الضجيجُ ، فالمتهور يقود دراجته بشكل دائري سريع ، مما جعل الطلبةَ والمعلمين في الدورين العلوي والسفلي يخرجون لمعرفةِ ما الذي يجري! فقد تحولت الساحة الداخلية الى مضمار سباق أُحادي المنافسة ، ومِنْ على الشرفات العلوية تسمع مُكَاءً وتَصْدِيَةَ ، إنهم التلاميذه ، يشجعون ويهتفون ، واقرب وصف -لذلك المشهد- هو حلبة مصارعة الثيران اي نعم.
لم يستطع احد الاقتراب او ايقاف دوران الدراجة وإنهاء ذلك الاستعراض ، فقررتُ دخول الحلبة والتفاهم مع محوود ، لأنني المناوب الاول ذلك اليوم ، ويا ليتني لم اقم بدور ماتادور (مصارع الثيران) ، فلولا لطفُ اللهِ لكنت في خبرِ كان ، فقد اوقف دراجته في الوقت المناسب واطفئ المحرك واقفلَ المِقود معا ، وترجًّلَ منها ، فسارع بعض الاخوة المعلمين للمساعدة ، ولكن الشاب خاف واضطرب ، وظن بأن القوم يأتمرون به ، تقدم الاستاذ إبراهيم فهو مفتول العضلات ومدرب الصالات(gym) ، وثار العِراك بينهما ، وبين الهرج والمرج في إيقاف محوود واستاذ ابراهيم طارت العمامة الزرقاء الملفوفه باحكام من رأس مدير المدرسة ابوسعيد ، في حين حاول البعض إقناع الأستاذ إبراهيم ، بأن خصمه خارج نطاق التغطية وأن قرشاً واحداً هو الذي يحسم المعركة ، استطعنا إقناع محوود بالخروج واعطاءه ريالا ، ودعوته لِفطارٍ مدفوع الحساب في مطعم( منيف) ، وقفت خارج المدرسة معه ، وفي حوار جانبي اشار الى سيارة افالون تويوتا للاستاذ مجدي ، وقال اهذه حق المصري؟ ( يقصد الأستاذ ابراهيم) فقلت: لا ، لا ، واغلظ له اليمين ، فقد ارادَ ان ينتقم من الاستاذ بالركل والرفس تلك السيارة البيضاء .
فقلت: اتأتي معي او تتبعني الى المطعم؟ فقال: تقدم وانا خلفك ، انطلقت بسيارتي ، ومُحود خلفي بدراجته ، توقفتُ في إشارات المعتزة الحمراء كالبقية ، الا من كان خلفي كالصاروخ انطلق ، مخترقا القانون ومتجاوزا الحدود ، وسلك طريقا غير الذي اتفقنا عليه ، واختفى في طرفةِ عين.
عدتُ ادراجي وحمدتُ ربي ، ونُصِحَ الاستاذ بأخذ إجازة طارئة ، او إبعاد مركبته في ناحية آمِنهْ، فقد يعود ذلك الأهوج في اي لحظة ، ونجد سيارةًمهشمةً.
****
*مكاء و تصدية : التصفير والتصفيق ومنها قوله تعالى( وماكان صلاتهم عند البيت الا مكاءً وتصدية،فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)الانفال ٣٥.
تعليقات
إرسال تعليق