يوميات معلم ...(( قاعة الإختبارات))
يوميات معلم:
( قاعة الاختبار )
وُزِعَتْ الأوراقُ على طلبة الصف الثالث الثانوي للتعليم العام ، وعليهم البدء في حل الامتحان من الساعة الثامنة صباحا.
القاعةُ فيها ما يَرْبُو على ثلاثين طالبٍ يخضعون لاجتياز هذه المرحلة ، بالإضافة إلى مراقبين اثنين عليهما التأكد من سير فترة الاختبار بطريقة مُثْلى ، فلا حديثٌ ولا اِلتفات. الأسئلةُ أمامهم والاقلامُ بينَ أناملهم، ما عليهم سوى عصر أذهانهم وسبكِ إجابتهم على دفتر الإجابة.
_مهمة المراقب في القاعة هي الملاحظة ، وليس مهمته التوجيه و التحذير فهذا امرٌ مفروغٌ منه ، بل الهدوء مَطْلَبٌ أساسيٌ للممتحنين ، ومهمة المراقب الحفاظ على السكينةِ و التأكد من سلامة القاعة من اساليب الغش والخداع _
المراقب الذي كان معي في اللجنة ، مصري الجنسية رهيب البطن رحيب الصدر ، ذو فُكاهَةً ، فلا غرابةَ فأهل مصر كما يقال يتنفسون الفكاهةوالدُعابة تظهر عليه علامات الصرامة والحزم ، يكرر خطاب التحذير والتنبيه والتهديد بسحب ورقة الإجابة لِمَنِ استحق ذلك ، وهناك عرض مجانيٌّ لمحضر الغش.
حقيقةً لا الومه فيما صدرَ عنه ، فهو معلم وهذه مهنته اعتادها ، وحرصٌ منه على أبنائه ، فاليوم مصيرهم ، وغدا مستقبلهم .
فلا يتمنى ما سيؤول اليه الامر كقول القائل :
يُضرسْ بأنيابٍ ويُوْطأْ بِمَنسَمِ.
وإن أَبدَى المعلمُ جهامةً وصرامةً ، يظل حريصا على الودِ ، كما يقول الشاعر:
إذا أنتَ عَادَيتَ امْرَءاً خُلَّةً
فَدَعْ في غَدٍ لِلعَودِ وَالصُّلحِ مُوضِعَا
فإنَّكَ إن نابذت من زَلَّ زلَّةً
ظَلَلْتَ وَحِيداً لم تَجِدْ لك مَفْزَعَا
مرَّ نصفُ الوقتِ من زمن الامتحان ، وسارت الامور على خيرِ ما يرام، فهناك من هم مشغولون بالأسئلة والإجابة ، وآخرون منتظرون وحياً من السماءِ او دبيباً من الارض ، من يدري ؟! فلا تسمع هَيْنَمَةً ولا رِكْزا.
يقول الشاعر :
ولا أَشْهدُ الهُجْرَ والقَائِليهِ
إذا هم بهَيْنَمَةٍ هَتمَلوا *
وآخرون قلبوا الأدوار فصاروا هم من يراقبُ المراقبين في كل حركة وسكنه ، وهناك فئام يؤلفون وسرعان ما يمسحون .
أزِفَ الوقتُ على الانتهاء وبقى الربع من الوقت الاصلي لزمن الاختبار ، فلا وجود لزمنٍ إضافي ، حينها بدأت القلاقلُ تعمُّ المكان ، فكان اصحاب الفكر والتصنع- الذين قبل قليل ينتظرون الوحي- كانوا ضِغثاً على إبّالة ، فاتخذوا عدة اساليب:
أولها : المناورات العسكرية ، فهذه القوات البرية بدات بالزحف بغطاءٍ من سلاح الجو ولكنها سرعان ما اختفت ، بفاعلية أنظمة الرادار.
ثانيها:
لغة الإشارة و شفرات مورس ، يقول الشاعر :
وتعطلت لغةُ الكلامِ وخاطبت
عيني في لغة الهوى عيناكِ .
حينها بدأنا نجوب المكان ، نعلم بان هناك امر مريب ، ووقت عصيب ، وكما يقال تكاثرت الظباءُ على خِراشٍ فما يدري ِخراشُ ما يصيدُ.
ثالثها :
كَتيِبةٌ رَجْرَاجَةٌ من الانتحاريين والفدائيين تتحرك ، ولكن المراقب الجوي المصري كان لها بالمرصاد ، ولفِعالها صائد.
رابعها :
تشتيت الانتباه وخلق جبهات وهمية ، وكأنهم من الف كتاب هارفد بزنس في الدهاء والحنكة.
وبينما كنا نحاول استعادة السيادة و الحفاظ على هيبة القاعة ، صرخ الاستاذ ( المراقب) بصوت عالٍ شدَّ إنتباه الجميع ، بما فيهم انا، فخيَّم الهدوء وعم السكون ، وقال بلكنته المصرية :
ايه ... ،
عاوزين تنجحوا؟!!!
وامُال لما تنجحوا حا تسبون لمين؟!! ..
ضَحِكَ الجميع ، وبدا على البعض القناعة بما جدُّوا و وَجَدُوا ، وهم بقول القائل يتمثلون:
وأن الماءَ يجري من جمادٍ
وانَّ النارَ تَخرجُ من زنادِ
والبعض الآخر سَلَّموا الامر وسَلَّموا الاوراق ، ولكل مثابر ثمرة ، ولكل ساع سلعة ، ولكل مجتهد نصيب .
ودامت أوقاتكم عامرة بذكره مسبحة بامره
********
جهامة: شراسة
هينمة: صوت ضعيف عند القراءة.
ركز : صوت خفيف .
رجراجة: ثقيلة
هتملوا: من الهتملة وهو كلام خفيف
منسم : طرف خف البعير
تعليقات
إرسال تعليق