يوميات معلم ((الدراسة عن بعد ))
يوميات معلم .
في بداية العام الدراسي ، اقبلَ شابٌ في مقتبل العمر ، ويقف الى جواره إبنٌ له في فِناءِ المدرسةِ -بعد انصراف الطلبة الى صفوفهم - سأل احدَ اعضاء الهيئةِ التدريسية، واخبرهُ بأن ولده انتقل من الحلقة الأولى (الصف الرابع) ، الى هذه المدرسة ، وبينما هو كذلك , يرى شخصا اخر يمر من امامه ، فناداه : أمجدي انت في هذه المدرسة؟
يرد الاستاذ مجدي : نعم حياكم الله .ثم يتبعه الى مكتبه.
(مجدي شاب نحيل البُنية ،ليس كالنخلةِ طُولا ، ولكنَّهُ كالنحلِ همةً ، ولا قصير القامة ، ولكنه عالي الْهَامَةُ ، صبَاحَةٌ في وجهه ، يهشُ* ويبشُ لِمَن لَقِيَه .
يقول الشاعر:
والمرءُ بالأخلاقِ يسمو ذكْرهُ،
وبها يُفضلُ في الورى ويوقرُ
فهو اخصائي أنظمة مدرسية ، ولذا يعتبر القلب النابض ، ومنجمٌ لِقواعد لبيانات.
قال الأبُ : مجدي ، ابني عندكم في المدرسة ! أين الترحيب , والتعريف بالطلبة الجدد ؟!
ردَّ الأستاذ مجدي : أين ابنك انت ؟! اسبوعٌ مضى , ونقضى , والتعريف انتهى.
الأب : اها ، طيب خلاص ، إذاً ابني فهد عندكم ، لا نوصيكم ... .
الأستاذ: ولا يهمك .
الأب التفت الى ابنه : اسمع إذا احتجت شيئآ ، هذا عمك الاستاذ مجدي ، لا تستحِ. ( وينصرف).
خرج الاستاذ مجدي بصحبة الطالب الجديد الى صفه ، و دلَّهُ على دورات المياة ، و المقصف ، والى غير ذلك.
وصلا الصف (خامس) ، وكان المعلمٌ يعطي درسا ، قطع شرحه ، وقال : اهلا ، تفضلا من هذا ؟!
الأستاذ مجدي: - يشير الى الطالب ذي العشر سنين من عمره ، اسمر البشرة ، دائري الوجه- هذا فهد.
المعلم : ماشاء الله بس تاخر شوي ان شاء الله يلحق معنا بقية الدروس.
اليوم التالي:
بداية الحصة ؛ استأذن الطالب فهد من معلمه في الخروج ، الى قريبهِ الاستاذ مجدي.
الاستاذ: بدري لسه وقت ! تمام , لا تتأخر(بعدما اصر الطالب على الخروج ).فقد كان المعلم من افضل المعلمين خُلُقاً وعِلماً ، حديثه شائقٌ ممتع ، لا تَملُّ سماعه ، حريصٌ ومحبٌ لِتلامذته، قلَّمَا ترى مِثْلَهُ.
ذهب فهد الى مكتب الاستاذ مجدي .
مجدي : فهد خير ايش صار ؟!
فهد بصوته الضعيف : اريد فلوس علشان افطر.
الأستاذ مجدي: ليش اهلك ما عطوك مصروف اليوم؟!
فهد : لا ابوي مات!!
الاستاذ مجدي منصدماً و خيَّمتْ عليه سحابةُ حزنٍ. وقال بصوتٍ يملَؤُه أسفٌ: لا اله إلا الله.. ايش صار؟! ومتى.؟! وكيف؟!
فهد: امس مات في حادث سيارة ، مع اصحابه ، انقلبت وماتوا.
استاذ مجدي ترقرقت عيناه ، قائلا: لا حول ولا قوة الا بالله.
طيب خذ هذا المبلغ . وخرج الطالب فهد.
الاستاذ مجدي ترك عمله وجلس يفكر مليّاً ، بأحوال الدنيا وتقلباتها ، ثم بدا له امرٌ ، الم يكن الرجل الذي اوصل فهدا.... ابيه؟!! ام احد اخر ؟ لعله عمه!
وقرر التأكد من صحة الخبر ، فإن كانَ ، قدمَ واجبَ العزاء ، و بحث عن رقم ولي امر الطالب :الوه .. من معاي؟! ابوفهد ؟! اانت اوصلت فهداً هذه الصباح للمدرسة؟، اها ،طيب ، لا لا شكرا حبيت اتاكد شبهت فيك، مع السلامة متواصلين.
ينهي الاستاذ مجدي المكالمة ويهز رأسه ، ويقول في نفسه ما هكذا يا فهد ، هذه البداية ، ليتك تتدرج في الاعذار ، من نسيت ، الى ضيعت نقودي ، او غير ذلك ، ولكن كما يقال :
حَسْبُكَ من الشرَّ سَمَاعُهُ .
وبعد سنتين ونصف
ومع جائحة كورونا يتطلب الامر التواصل عن بعد ( اون لاين) .
الحصة التاليه ( متزامنه) صوت مسموع مباشرة مع الطلبة وفي اغلب الاوقات يتابع الآباء والامهات أبناءهم في مثل هذه الحصص.
الاستاذ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صباح الخير ابنائي الطلبة ارجو المتابعة في الكتاب صفحة ... وساشرح لكم الدرس ... ارجو من ابنائي الطلبة المشاركة - وتظهر رموز بأسماء الطلبة على الشاشة الرئيسية ، عدد الحاضرين في المنصة( google meet) جيد جدا ، والكل سيتفاعل-
- وبعد عدة مشاركات يأتي صوتٌ باللَّتَيَّا والَّتِي* - سؤال قادم يتأرجح بخيوط الشبكة العنكبوتية .
نعم انه احدُ المشاركين يقول الاستاذ مُرَحِّبا: اهلا ، نعم تفضل ابني .
الطالب: استاذ اريدك تدرسني في البيت.
الاستاذ مسرعا في الرد : اقفل المايك (ويقصد به الصوت) ، اقفل المايك.. رجاء من الطلبة جميعا قطع الصوت ، وبدا عليه علامات التوتر ... يستجيب جميع الطلبة في اقفال أيقونة مسجل الصوت ، عدا الرمز (ف ) يقول(ف) : استاذ ، استاذ اريد درس في و... ومتى باتجي؟ ويقاطعه المعلم قائلا : فهد مرة اخرى: اقول لك اقفل المايك ، الله يهديك يا فهد ، اقول لك اقفل رمز التسجيل احسن لك ... (ويعض الاستاذ على اسنانه غيضا وحنقا) من تصرف اهوج غير مسؤول ربما يكون سبباً في مُساءلة الاستاذ ،( حيث انه يُمنع إعطاء دروس خصوصية - خاصة لمن هو على قيد عمله) .
فقد رَمَاهُ كما يقال : بثالثة الأثافي.*
لا يخفى عليكم سلامة مقصد الطالب ، ولكنها جاءت في غيرِ مكانها ، ولا زمانها ؛ فأمَّا مكانها : كمن يتهم من استحق الاحسان ومَلَكَه، وأدار على قطب الاجادة فَلَكَه ، وتحرى طريق الشرف وسَلَكَه . وأمَّا زمانها : فهذه منصة متاحه للجميع، فربما حاقدٌ مارق ، وحاسد ماكر ، يستغل السقطات ، فيُحْكمُ الحلقات ، على بريء تقيٍّ نقي .
ولكن الله سلم ، وعدَّت من فهدٍ بسلام ، فأسال الله العلي المنان مفهم سليمان الحكمة ، ومعلم لقمان البيان وحسن الكلام ، ونبينا مجامع الخصال والكمال ، ان يوفق فهداً لخيري الدنيا والآخرة، وان يحفظ البلاد والعباد ، ولمن قال آمين سرا وجهرا.
ودمتم سالمين.
**********
*يهش: تعني يسر ويرتاح ، وتعني كذلك ضرب الشجرة بالعصا ليتساقط ورقُها كما في سورة طه( واهشُ بها على غنمي).
* بثالثة الأثافي: مثل يقال رماه بثالثة الأثافي وهي قطع من الاحجار يوضع عليه القِدر عند الطبخ ، ويضرب لمن لم يبقى لشر شيئا .
*باللَّتَيَّا والَّتِي : مثل يضرب لمن لم او يوفق او يحسن في الاولى ولا الثانية من امره
تعليقات
إرسال تعليق