يوميات معلم (( اتصال مجهول ))
يوميات معلم
عندما تنتهي فترة الاختبارات النهائية ، يبدأ فريق من المعلمين والإداريين في قسم المراقبة ( الكنترول) في مراجعة اوراق الإجابات وتهيئتها بالارقام السرية ، وتسليمها الى للجان التصحيح ، مع مراقبة سير العمل وآلياته ، وبعدها ينتقل الفريق الى مرحلة ختلُ الإجابات ، ورصد الدرجات ، و مطابقتها مع النماذج الوزارية.
ابوعلي احد اعضاء فريق الرصد والتدقيق في الكنترول ، يصل إلى القاعة ، مكتوبٌ على بابها ( لجنة الاختبارات ، ممنوع دخول غير اعضاءالكنترول) ترتسم عليه علامات القلق والتوتر ، هي منغصات الحياة و ضجيجها لا محالة ، ولذا يقول الشاعر:
يومُكَ يومانِ: فخيرٌ وشرْ
نهارٌ يزُولُ وليلٌ يكرْ
كذاك الزمانِ على من مضى
وكل السنينِ على ذا تمرْ.
ابو علي ؛ رجلٌ خطَّ الشيب راسه وخَصَفَه ، يخفي ذلك بقصِ شعره ، قوي البنية جَهُورِيّ الصوت ، مصري الجنسية أهلاوي الهوى ، تسمعُ زمجرته وصخبه في إقباله وإدباره ، صاحب فُكَاهَة ، لا انصح بمُجَاحَشَته* ، خشية ان يختلطَ هزله بجده .
اقبل ابوعلي وعليه من الضجر الذي لا يخفى ، وعلى جبهته قطراتُ عرقا تحكي يوما عصيبا تَجَلَّى.
لاحظ ذلك بعض زملائيه ، فاخبرهم بأنه تعرض لحادثِ تصادم بسيارة اخرى ، اثناء مجيئه للمدرسة. وكأنه تبادلَ التهم و بعض عبارات التخطئة في الإلتزام بقواعد المرور مع مالك المركبة الاخرى ، لم يدم ذلك طويلا ، ولكن الذي رابَ ابو علي اكثر ، هو ذلك الرقم الذي تحمله سيارة الأخرى، يبدو بأنها لِجهةٍ حكومةٍ خاصةٍ .
وبينما هو جالس على كرسيه ، يرن هاتفه الخلوي ، الرقم لم يكن مسجل ضمن قائمة المضافين .
ابوعلي : الو مرحبا .
الصوت: الاستاذ ( الفلاني) معي؟
ابوعلي : نعم !!!
الصوت : ممكن تشرفنا قسم الشرطة مركز صلالة.
ابوعلي : ليه ، ممكن اعرف السبب !!!
الصوت : لما توصل القسم بتعرف ، لا تتأخر رجاءً.
ابوعلي : طيب ! وينهي المكالمة قائلا:
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم اهده من الصبح .
ودار في خلده، بأن الشكوى أتيةٌ لا محالة من صاحب السيارة التى ارتطمَ بها صباح ذلك اليوم.
بعض الاخوة في المكتب ، تعليقاتهم كانت كمن يَصُبُّ الزيتَ على النار ، قائلين :
هذه الراجل واصل اكيد و حا يمرمطك في التراب ، يا خبتك يا ابوعلي .. الحكومة يا ابوعلي ... يا نهار اسود ...ابو زعبل ...( عبارات التهويل وغيرها) .
قال ابوعلي : طيب اروح لشرطة وانا اعرف حد هيناك ؟! كادت تلك الرؤى، والأفكار ، أنْ تُضعِفَ هيبته وتهزُ مكانته ، لقد بلغ السَّدَمُ * منه مبلغه ، ولكنه استرجع وقال : وكل ما فوق التراب ترابُ.
همَّ ابوعلي بالنهوض والخروج من غرفة الكنترول ، ولاحظ عدم المبالاة من زملائيه والضحك والسخريه وهم مشغولون بما في ايدهم من دفاتر الإجابات والقوائم ، فكان ذلك ضغثٌ على إبّالة.*
ابواحمد احد اعضاء الكنترول، وقف في طريقه ، و اعترض خروجه قائلا : ايه يا عم انت صدقت ولا ايه !!. هذا مقلب !!
ابوعلي: ليه هو انت... بتاع الشرطة ؟! ... تعال هينا انا حاوريك الزاي....
ويرد ابو احمد : نعم هاربا و قد تفصَّى* من قبضته ، كما يقول اهل عدن ( انقلب سيكل) يعني تحول الى دراجة.
لقد بلغ ابوعلي من الغيظِ مبلغه .
حاول الاخوة تهدية ابوعلي ولكن دون جدوى فلم يهدأ روعه ولم تخمد ناره.
ولو تمكن منه لربما تحول ابو احمد الى مسواكٍ في قبضته.
يقول الابرش:
تَأنَّ في أمرِكَ وافهم عنَّي
فَليسَ شئٌ يعدلُ التأنِّي
تأنَّ فِيهِ ثم قُلْ فإِنِّي
ارجو لك الارشادَ بالتَّأنَّي.
مع مرور الوقت من ذلك اليوم تَصَافَّا ، وبدا ابوعلي يتقبل الامر ويعبر عن مشاعره وموقفه بكل مرح وسرور .
دامت أوقاتكم عامرة بذكره مسبحة بحمده
*******
ختلَ: اصطاد الفريسة خلسة وحيلة.
المجاحشة: التدافع من اجل القتال والعراك.
ضغثٌ على إبّالة : مثل: اي بليه على اخرى .
السدمُ: همٌ في ندم.
تفصَّى: تخلص منه.
تعليقات
إرسال تعليق